من التشابه بين التوراة والقرآن
- لقطة من قصة يوسف عليه السلام مع امرأة العزيز فلنبدأ من بدء مراودة امرأة عزيز مصر ليوسف (عليه السلام) ليفعل بها الفحشاء وتنتهى بقرار وضع يوسف فى السجن . واللقطة كما جاءت فى المصدرين هى : نصوصها فى التوراة كما فى تكوين 39 عدد 7 -20 7 وحدث بعد هذه الامور ان امرأة سيده رفعت عينيها الى يوسف وقالت اضطجع معي .8 فأبى وقال لامرأة سيده هوذا سيدي لا يعرف معي ما في البيت وكل ما له قد دفعه الى يدي .9 ليس هو في هذا البيت اعظم مني . ولم يمسك عني شيئا غيرك لانك امرأته . فكيف اصنع هذا الشر العظيم واخطئ الى الله .10 وكان اذ كلّمت يوسف يوما فيوما انه لم يسمع لها ان يضطجع بجانبها ليكون معها11 ثم حدث نحو هذا الوقت انه دخل البيت ليعمل عمله ولم يكن انسان من اهل البيت هناك في البيت .12 فامسكته بثوبه قائلة اضطجع معي . فترك ثوبه في يدها وهرب وخرج الى خارج .13 وكان لما رأت انه ترك ثوبه في يدها وهرب الى خارج 14 انها نادت اهل بيتها وكلمتهم قائلة انظروا . قد جاء الينا برجل عبراني ليداعبنا . دخل اليّ ليضطجع معي فصرخت بصوت عظيم .15 وكان لما سمع اني رفعت صوتي وصرخت انه ترك ثوبه بجانبي وهرب وخرج الى خارج .16 فوضعت ثوبه بجانبها حتى جاء سيده الى بيته .17 فكلمته بمثل هذا الكلام قائلة دخل اليّ العبد العبراني الذي جئت به الينا ليداعبني .18 وكان لما رفعت صوتي وصرخت انهترك ثوبه بجانبي وهرب الى خارج .19 فكان لما سمع سيده كلام امرأته الذي كلمته به قائلة بحسب هذا الكلام صنع بي عبدك ان غضبه حمي .20 فأخذ يوسف سيده ووضعه في بيت السجن المكان الذي كان اسرى الملك محبوسين فيه . وكان هناك في بيت السجن نصوص القرآن الأمين(وَرَاوَدَتْهُ التى هوَ فى بيتها عن نفسه وغلّقتِ الأبوابَ وقالتْ هيتلك قال معاذ الله إنهُ ربى أحسنَ مثواى إنهُ لايُفلحُ الظالمون * ولقد هَمَّتْ به وَهَمَّ بها لولا أن رأى برهان ربه كذلك لنصرفَ عنهُ السوءَ والفحشاء إنه من عبادنا المخلَصين * واستبقا الباب وقدت قميصه من دُبرٍ وألفيا سيدها لدى الباب قالت ما جزاءُ من أراد بأهلكَ سوءًا إلا أن يُسجن أو عذابُ أليم * قال هى راودتنى عن نفسى وشهد شاهدٌ من أهلها إن كان قميصَه قُد من قُبُل فصدقت وهو من الكاذبين وإن كان قميصه قُد من دُبرٍ فكذبت وهو من الصادقين * فلما رأى قميصه قُد من دُبرٍ قال إنه من كيدكُنَّ إن كيدكن عظيم * يوسف أعرض عن هذا واستغفرى لذنبكِ إنك كنتِ من الخاطئ ... ثم بدالهم من بعد مارأوا الآيات لَيَسْجنُنَّهُ حتى حين) . تلك هى نصوص الواقعة فى المصدرينوأدعو القارئ أن يقرأ النصين مرات قراءة متأنية فاحصة . وأن يجتهد بنفسه فى التعرف على الفروق فى المصدرين قبل أن يسترسل معنا فيما نستخلصه من تلك الفروق . ثم يكمل ما يراه من نقص لدينا أو لديه فقد يدرك هو ما لم ندركه ، وقد ندرك نحنما لم يدركه وربَّ قارئ أوعى من كاتبالفروق كما نراها القرآن الأمينالمراودة حدثت مرة واحدة اقترنت بعزم المرأة على يوسف لينفذ رغبتهاالتوراةالمراودة حدثت مرارًا ونُصح يوسف لامرأة سيده كان قبل المرة الأخيرة__________________القرآن الأمينيشير إلى تغليق الأبواب وأن يوسف هم بالخروج فَقَدَّتْ ثوبه من الخلف وحين وصلا إلى الباب فوجئا بالعزيز يدخل عليهما فبادرت المرأة بالشكوى فى الحالالتوراةتخلو من الإشارة إلى تغليق الأبواب وتقول إن يوسف ترك ثوبه بجانبها وهرب وانتظرت هى قدوم زوجها وقصت عليه القصة بعد أن أعلمت بها أهل بيتها___________________القرآن الأمينيوسف كان موجوداً حين قدم العزيز ، وقد دافع عن نفسه بعد وشاية المرأة ، وقال هى راودتنى عن نفسىالتوراةلم يكن يوسف موجوداً حين دخل العزيز ولم يدافع يوسف عن نفسه لدى العزيز__________________القرآن الأمينيذكر تفصيلاً شهادة الشاهد كما يذكر اقتناع العزيز بتلك الشهادة ولومه لامرأته وتذكيرها بخطئها . وتثبيت يوسف على العفة والطهارةالتوراةتخلو من حديث الشاهد وتقول إن العزيز حمى غضبه على يوسف بعد سماع المرأة_________________القرآن الأمينيشير إلى أن القرار بسجن يوسف كان بعد مداولة بين العزيز وحاشيتهالتوراةتقول إن العزيز فى الحال أمر بوضع يوسف فى السجن ولم يعرض أمره على رجال حاشيته________________القرآن الأمين يذكر حديث النسوة بالتفصيل كما يذكر موقف امرأة العزيز منهن ودعوتها إياهن ملتمسة أعذارها لديهن ومصرة على أن ينفذ رغبتهاالتوراةتخلو من حديث النسوة اللاتى لُمْنَ امرأة العزيز على مراودتها فتاها عن نفسه ، وهى فجوة هائلة فى نص التوراة__________________________________هذه ستة فروق بارزة بين ما يورده القرآن الأمين ، وما ذكرته التوراة . والنظر الفاحص فى المصدرين يرينا أنهما لم يتفقا إلا فى " أصل " الواقعة من حيث هى واقعة وكفى
ويختلفان بعد هذا فى كل شىء . على أن القرآن قام هنا بعملين جليلى الشأن:
: أولهما : أنه أورد جديداً لم تعرفه التوراة ومن أبرز هذا الجديد
(1) حديث النسوة وموقف المرأة منهن (2) شهادة الشاهد الذى هو من أهل امرأة العزيز
: ثانيهما : تصحيح أخطاء وقعت فيها التوراة ومن أبرزها
(1) لم يترك يوسف ثوبه لدى المرأة بل كان لابساً إياه ولكن قطع من الخلف
(2) غياب يوسف حين حضر العزيز وإسقاطها دفاعه عن نفسه
اعتراض وجوابه
قد يقول قائل : لماذا تفترض أن الخطأ هو ما فى التوراة ، وأن الصواب هو ما فى القرآن ؟! أليس ذلك تحيزاً منك للقرآن ؛ لأنه كتاب المسلمين وأنت مسلم ؟ ولماذا تفترض العكس ؟ وإذا لم تفترض أنت العكس فقد يقول به غيرك ، وماتراه أنت لا يصادر ما يراه الآخرون . هذا الاعتراض وارد فى مجال البحث . وإذن فلابد من إيضاح.
والجواب:
لم نتحيز للقرآن لأنه قرآن . ولنا فى هذا الحكم داعيان:
الأول: لم يرد فى القرآن - قط - ما هو خلاف الحق ؛ لأنه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد . وقد ثبتت
هذه الحقيقة فى كل مجالات البحوث التى أجريت على " مفاهيم " القرآن العظيم فى كل العصور . وهذا الداعى وحده كافٍ فى تأييد ما ذهبنا إليه
الثانى: وهو منتزع من الواقعة نفسها موضوع المقارنة وإليك البيان: كل من التوراة والقرآن متفقان على " عفة يوسف "وإعراضه عن الفحشاء . ثم اختلفا بعد ذلك
فالتوراة تقول: إن يوسف ترك ثوبه كله لدى المرأة وهرب . والقرآن يقول: إنه لم يترك الثوب بل أمسكته المرأة من الخلف ولما لم يتوقف يوسف عليه السلام اقتطعت قطعة منه وبقيت ظاهرة فى ثوبه
فأى الروايتين أليق بعفة يوسف المتفق عليها بين المصدرين ؟! أن يترك ثوبه كله ؟! أم أن يُخرق ثوبه من الخلف ؟!
إذا سلمنا برواية التوراة فيوسف ليس " عفيفاً " والمرأة على حق فى دعواها ؛ لأن يوسف لا يخلع ثوبه هكذا سليماً إلا إذا كان هو الراغب وهى الآبية . ولا يقال إن المرأة هى التى أخلعته ثوبه ؛ لأن يوسف رجل ، وهى امرأة فكيف تتغلب عليه وتخلع ثوبه بكل سهولة ، ثم لما يمتنع تحتفظ هى بالثوب كدليل مادى على جنايته المشينة ؟!
وهل خرج يوسف " عريانًا " وترك ثوبه لدى غريمته..؟!
والخلاصة أن رواية التوراة فيها إدانة صريحة ليوسف وهذا يتنافى مع العفة التى وافقت فيها القرآن الأمين
أما رواية القرآن فهى إدانة صريحة لامرأة العزيز ، وبراءة كاملة ليوسف عليه السلام
لقد دعته المرأة إلى نفسها ففر منها . فأدركته وأمسكته من الخلف وهو ما يزال فاراً هارباً من وجهها فتعرض ثوبه لعمليتى جذب عنيفتين إحداهما إلى الخلف بفعل المرأة والثانية إلى الأمام بحركة يوسف فانقطع ثوبه من الخلف.
وهذا يتفق تماماً مع العفة المشهود بها ليوسف فى المصدرين ولهذا قلنا: إن القرآن صحح هذا الخطأ الوارد فى التوراة
فهل القرآن مقتبس من التوراة ؟!
فهل تنطبق على القرآن أسس الاقتباس أم هو ذو سلطان خاص به فيما يقول ويقرر ؟. المقتبس لا بد من أن ينقل الفكرة كلها أو بعضها . وها نحن قد رأينا القرآن يتجاوز هذه الأسس فيأتى بجديد لم يذكر فيما سواه ، ويصحح خطأ وقع فيه ما سواه
فليس الاختلاف فيها اختلاف حَبْكٍ وصياغة ، وإنما هو اختلاف يشمل الأصول والفروع . هذا بالإضافة إلى إحكام البناء وعفة الألفاظ وشرف المعانى
إن الذى روته التوراة هنا لا يصلح ولن يصلح أن يكون أساساً للذى ذكره القرآن . وإنما أساس القرآن هو الوحى الصادق الأمين . ذلك هو مصدر القرآن " الوضىء " وسيظل ذلك هو مصدره تتساقط بين يديه دعاوى الباطل ومفتريات المفترين فى كل عصر وزمن الى يوم القيامه